الاثنين، 9 مارس 2009

الأخبار: الرَّقابة اللبنانيّة فزّاعة المثليّ جنسيّاً

في الأيام الماضية امتشق بعض الصحافيين والنقّاد أقلامهم للدفاع عن فيلم مارك أبي راشد HELP. واتجهت أصابع الاتهام إلى الرقابة اللبنانيّة التي تعاطت مع هذه التجربة الإبداعيّة الجريئة بعبثيّة وخفّة وسلطويّة تفضح هشاشة مؤسساتنا ولاعقلانيّتها ولاديموقراطيّتها، بل اعتباطيتها خصوصاً: لقد سُحبت إجازة العرض الشهيرة رقم 1460 (منحت في تموز/ يوليو الماضي)، بسبب احتجاج هيئة دينية مسيحيّة، كان مركز «سكايز» سباقاً إلى اتهامها والإشارة إليها بالاسم (خطر الظلاميّة ليس حكراً على مذهب أو طائفة... لحسن الحظ!).«الصدمة» المفترض أن الفيلم أحدثها لدى الرأي العام الذي لم يرَه، هي شخصيّة المثليّ جانو (الصورة)، وشخصيّة ثريا الصبيّة التي تبيع مفاتنها. وربّما كان المثليّ جنسياً هو العنصر الأكثر إزعاجاً. فالمؤسسة البطريركيّة لا يمكنها الاستغناء عن تجارة الهوى التي تمثّل منذ فجر التاريخ إحدى دعائمها ومتنفساتها. والمجتمعات المحافظة أحوج ما تكون إلى تلك الفزاعة، في فصامها الفظيع بين مسموح وممنوع، حلال وحرام. فضلاً عن أنّ تجارة الرقيق الحديثة طالما كانت من محركات الرأسماليّة. ولم تكن الفلسفة الاقتصاديّة التي أعيد بناء لبنان على أساسها بعد الحرب، ببعيدة عن ذلك المخزون الحيوي في ثروتنا القوميّة!أما المثليّ (الرجل) فطامّة كبرى: إنّه يزعزع الخطاب الذكوري المزيّف، ويشوّش الصورة التي يملكها ويروّجها عن نفسه، ويحرّك العفاريت الرابضة في اللاوعي الجماعي.مسكين الرأي العام المتروك لأمره في مهبّ الشائعات والأقاويل. القوانين تعامله كقاصر، و«المطاوعة» على أنواعهم يحاصرونه. الكل يجيّشه ويتلاعب بأهوائه ومخاوفه، فيما أنّه لم يرَ ولم يكوّن فكرته ولم يسأل رأيه. مارك أبي راشد أخذ في الاعتبار المواصفات القانونيّة التي اكتشفنا أن هناك ضوابطَ تحددها بالملليمترات والثواني. ومن المخجل ألا يعرض فيلمه في لبنان كما كان مقرّراً، لجمهور الراشدين. بسبب مشهد جنسي، يراعي الاعتبارات التقنيّة التي يطلبها الأمن العام... وبسبب جانو الطريف الذي لا يعطي صورة عن مثليي الجنس في النهاية، بل يمثّل فئة صغيرة منهم، في أنوثته الهستيريّة المحبّبة التي تلامس حدود الكليشيه.

بيار ابي صعب
الأخبار
عدد الاثنين ٩ آذار ٢٠٠٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق