الثلاثاء، 10 مارس 2009

القبس: الشذوذ الجنسي.. غرام في «الممنوع» (1ـ 2)

أشهر السحاقيات في التاريخ الشاعرة الإغريقية سافو.. وزوجة النعمان ملك الحيرة

الجنسية المثلية!.. علامة استفهام كبرى.. أزمة عميقة تعيشها مجتمعات الرفاهية والفقر على السواء لكن في الخفاء وطي الكتمان.. فهي وباء «مسكوت عنه».. قد نكتفي بالتلميح في نكتة أو مشهد تلفزيوني.. لكننا لا نواجهه.. وقد نتوهم أنها حالات فردية قليلة بينما الشواهد الكثيرة هنا وهناك تقول العكس. لا نتكلم هنا عن المخنثين أو مضطربي الهوية الجنسية، وانما عن رجال ونساء يتمتعون بكامل ذكورتهم أو أنوثتهم الجسدية، لكنهم لا يفضلون شريكا جنسيا مغايرا. وقد يصل الأمر الى حد عدم الزواج أو كراهية الاقتراب من الجنس الآخر، واذا اضطر هؤلاء الى الزواج تحت ضغط الأسرة أو نظرة المجتمع السلبية لهم، فانهم يعيشون حياة جنسية متوترة.
لسنا في وراد الادانة بل القراءة والتحليل للظاهرة سيكولوجيا واجتماعيا.. فبدلاً من التعاطف الساذج معهم أو الاشمئزاز منهم.. لنقترب قليلاً من عالم المثليين ونحاول الاجابة عن أهم التساؤلات: هل المثلية نوع واحد أم أنواع؟ ما الأسباب والدوافع التي توجه سلوكه الجنسي في هذا الاتجاه؟ ما طبيعة الشخص المثلي؟ هل هو ضحية أم مذنب؟ وهل ثمة علاج أو خلاص؟!تعني العلاقة الجنسية المثلية Homosexuality ممارسة الجنس مع شريك من النوع نفسه، أي اقامة علاقة جنسية بين امرأة وأخرى أو بين رجل وآخر. ولهذا المصطلح مرادفات أخرى، مثل اللواط بين الرجال، والسحاق بين النساء، وينسب أصل مصطلح اللواط الى قوم سيدنا لوط الذين كانوا يأتون الرجال شهوة دون النساء. أما السحاق فهو نسبة الى الشاعرة الاغريقية Sapho سافو (560-630 ق.م) التي استغنت بالنساء عن الرجال بعدما فشلت في علاقتها الجنسية مع زوجها، فاتخذت آنيس عشيقة مفضلة لها، لذا سمي السحاق سافوية نسبة اليها أو Lesbianism نسبة الى جزيرة «ليسوس» في بحر ايجة في اليونان التي كانت تسكنها، ثم انتقلت ممارسة السحاق فيما بعد الى بلدان أوروبا. بينما يذكر أن أول من ابتدع السحاق عند العرب هم نساء قوم لوط، حيث انشغل رجالهن باللواط وهجرهن فبدأن في تفريغ شهوتهن فيما بينهن. ولما أُهلك قوم لوط، لم يظهر السحاق مرة أخرى بين العرب الا بعد أن أُشيعت العلاقة الغرامية الجنسية بين هند بنت عامر زوجة النعمان ملك الحيرة وعشيقتها رقاش بنت الحسن اليمانية. أما حاليا فيعتبر مصطلح الشذوذ الجنسي مرادفا للعلاقة المثلية عند الرجال والنساء.
خمسة أنواع
يعد هذا النوع من الانحرافات الجنسية الأكثر تعقيدا وتشابكا لأنه لا يتخذ شكلا واحدا، انما يتأرجح بين أكثر من نوع:الأول: Desire of homosexuality ويعني الرغبة المثلية أو الميول المثلية، وتظهر في صورة الانجذاب النفسي والعاطفي والجنسي نحو شخص من الجنس نفسه، دون أن يعني ذلك بالضرورة تفعيل هذا الميل باقامة علاقة مثلية معه، وقد يحول دون تفعيلها ضعف الميل أو الكوابح الأخلاقية والاجتماعية أو مظاهر أخرى للتنفيس مثل الخيال أو الاكتفاء بمشاهدة أفلام اباحية تتناول هذه العلاقات أو غيرها مما يخفف من وطأة الرغبة.
الثاني: ممارسة المثلية تحت وطأة الرغبة والاحتياج الغريزي مع افتقاد أي تواصل مع شريك من الجنس الآخر، كما يحدث بين نزلاء السجون، أو الجيش، أو اصلاحيات الأحداث، أو بين البحارة الذين يغيبون عن الحياة العادية لأشهر طويلة، أو الصيادين، أو أي تجمع آخر مغلق على أفراد الجنس الواحد ولا يسمح بالتواصل مع الجنس الآخر، فهؤلاء جميعا يتجهون الى هذا النوع من التفريغ الجنسي لأنه يتعذر عليهم ممارسة الجنس السوي لفترة طويلة ولا يستطيعون صبرا على رغباتهم، ويكون الشريك هنا مجرد أداة لتفريغ طاقة جنسية فحسب، وكأنها جنسية مثلية موقفية أو مؤقتة، غالبا ما تنتهي بانتهاء الظرف الخاص الذي يجمع بين الطرفين.
الثالث: Pure-homosexuality ويخص الفئة التي تعلن صراحة عدم ميلها للجنس الآخر وعدم قدرتها على اقامة علاقة معه، فلا يمكن للرجل المثلي أن يتزوج من امرأة أو يقيم معها علاقة، كذلك المرأة المثلية تكتفي فقط بعلاقتها مع النساء. ويعامل كل شريك شريكه المثلي كأنه زوجه عاطفيا ونفسيا وجنسيا، وهؤلاء يُعرفون من عزوفهم عن الجنس الآخر وأحيانا كراهيتهم لهم وعدم استثارتهم جنسيا من أي سلوك يبدونه أمامهم. وقد عبر عن ذلك أحد المثليين بأنه لا يشعر بأي استثارة جنسية عند رؤيته امرأة عارية في وضع مثير، بينما يشعر بالاستثارة الشديدة عند رؤيته صدر رجل عار أو عند تواجده معه في مكان واحد.
نصف رجل
الرابع: يعتبر النوع الأكثر تعقيدا واثارة للمشكلات الاجتماعية والأسرية، وهو mix-homosexuality أو أنصاف المثليين، ويطلق على النساء والرجال الذين يقبلون اقامة علاقة جنسية مثلية وغيرية في آن واحد، فنجد الرجل يقيم علاقة جنسية مع امرأة، أو يتزوج وينجب أطفالا لكنه يشعر بلذة أعمق عند اقامة علاقة جنسية مثلية. فعلى الرغم من أنهم لا يرفضون النساء واغواءهن تماما، لكنهم سرعان ما ينجذبون جنسيا نحو الرجال، وغالبا لا تكتشف مشكلتهم الا بعد الزواج، ولأن من الصعب تفهمها أو التكيف معها فتكون العلاقة الزوجية على حافة الخطر وغالبا ما تنتهي بالطلاق. على سبيل المثال اشتكت لي «م» من أنها تزوجت من رجل متعلم، يشغل مركزا مرموقا، وكانت موضع حسد من صديقاتها لأن زوجها ليس لديه علاقات متعددة بالنساء مثل باقي الرجال، وأنجبت منه ثلاثة أطفال لكن بعد مرور اشهر قليلة على الزواج لاحظت عليه سلوكيات غريبة مثل تأخره خارج البيت في أيام معينة، واصراره على ذهابها والأولاد الى بيت أسرتها أسبوعيا حتى وان لم تكن مهيأة لذلك، وغيابه لأيام عدة مع صديق معين، اضافة الى بعض المظاهر المادية التي لا تناسب دخله مثل تغييره سيارته في فترات متقاربة، وحصوله على هدايا ثمينة من حين والآخر.
وتابعت «م» : «في البداية كان يختلق لي الحجج والأعذار التي أضطر لقبولها، خصوصا أنه ليس لدي دليل واضح على شيء محدد. لا أنكر أن شكوكي فيه كانت تحوم حول امكانية قبوله الرشوة أو استغلال وظيفته بطريقة مشبوهة، ولم أكن أتوقع أن الأمر يكمن في اقامته علاقة جنسية مع أحد أصدقائه حتى فوجئت بوجودهما معا في غرفة نومي حين اضطررت للعودة من بيت أسرتي في وقت غير متوقع، فانكشف أمره وكانت صدمة قوية أدت بي الى حالة اكتئاب عميقة لم أتجاوزها الى الآن، لأنني لم أستطع اللجوء لخيار الطلاق الذي كان يستلزم مني أن أفضح أمره أمام الأسرة والأولاد.
تشكل مثل هذه الحالة ضربة قاضية لعلاقات زوجية كثيرة، لأنها تشوه صورة الرجل التقليدية المتعارف عليها عند معظم النساء، وتكسر تلك الحدود الفاصلة بين الذكورة والأنوثة، ولا تستطيع المرأة أن تتقبل الحياة مع «نصف رجل» فتنظر اليه نظرة دونية يصعب معها استكمال الحياة الزوجية، خصوصا في حالة عدم اقتناع الرجل بكونه شاذا أو مريضا، وبالتالي يرفض فكرة العلاج النفسي. وتواجه الزوجة مأزقا كبيرا لوجودها بين خيارين أحلاهما مر، هما التعايش مع رجل شاذ، أو فضيحة اجتماعية وأسرية يصعب مواجهتها وتحمل آثارها. ويختلف الأمر نسبيا عن الشذوذ بين النساء، الذي يعتبره علماء كثيرون منهم Ronald M. solevian أنه ليس انحرافا أصيلا لدى المرأة، انما غالبا ما يحدث كرد فعل لعوامل وظروف معقدة، ويستشهدون في ذلك أن نشأته جاءت في ظروف حرمت فيها المرأة غالبا من وجود اشباع سوي، لذا هو أقل انتشارا مقارنة بالشذوذ بين الرجال، وأكثر قبولا للتجاوز والعلاج خصوصا مع وجود أطفال يستهلكون طاقة كبيرة من مشاعرهن واهتمامهن كأمهات
.الخامس: هو نوع من المثلية لكن بشكل ضمني وغير مباشر، كما في حالة الزوج الذي يسمح لزوجته بعلاقات جنسية مع شركاء آخرين، دون أن يشعر بأي ضيق أو تذمر، وفي بعض الحالات يحرص هو على اختيار الشريك، أو لا يعترض على سرد شريكته لكل تفاصيل العلاقة مع الآخر، ومن الحالات التي توقفت أمامها بدهشة كبيرة، حالة «س» التي كان يغويها زوجها على اصطياد شركاء، ثم يستمتع بسردها لتفاصيل علاقتها معهم، ومن ثم يُقبل عليها بشهوة تستغربها الزوجة نفسها. وتفاقمت الأزمة بينهما حين أصبح ينقطع عن معاشرتها فترة طويلة ما لم يتوفر شريك ثالث!دوافع مختلفة
من الصعب أن نجزم بوجود عامل واحد واضح يقف وراء الشذوذ الجنسي، انما هي مجموعة عوامل تتضافر لتلقي بالشخص في هاوية الانحراف، منها:
اضطراب علاقة الطفل بوالديه، خصوصا الوالد من الجنس نفسه، أي الأب في حالة الذكر، والأم في حالة الأنثى، يُعد تربة خصبة لنمو الميول المثلية فيما بعد. فالطفل يتجاوز نفسيا وجنسيا مرحلة الطفولة بنجاح بقدر ما ينجح الوالدان في تشكيل هويته الجنسية التي تنتج من تربية متوازنة ونضج الأبوين الذي يتيح للذكر التوحد مع أبيه واكتساب صفات ذكورية، واكتساب الفتاة صفات أنثوية، كما أن افتقاد الاشباع العاطفي نتيجة غياب الأبوين فعليا أو رمزيا يلعب دورا جوهريا في استمرار بحث الطفل فيما بعد عن هذه المشاعر والرضا بأي شكل من التواصل مع الآخر كتعبير عن تعويض هذه المشاعر المفقودة.
الإساءة الجنسية للطفل Sexual abuse من أكثر العوامل التي ترسخ لميول مثلية، خصوصا في تشابكها مع عوامل نفسية أخرى مثل اهمال الوالدين لتأثير الاساءة وعدم مساندة الطفل ومساعدته على تجاوز الأزمة واستعادة ثقته في نفسه ورضائه عن ذاته، أو أن تأتي الاساءة من شخص قريب أو معروف لدى الطفل ما يضاعف من آثارها السلبية. تؤكد Elizabeth Moberly أن 80% من الرجال المثليين تعرضوا لايذاء جنسي على يد شخص بالغ قبل وصولهم سن العاشرة، الأمر الذي يمثل سياقا مناسبا لتطور الميول المثلية، حيث يشعر الطفل باللذة الممزوجة بالخجل والعار جراء ما حدث له، لكنه أيضا يربط بين هذه اللذة، التي غالبا ما تكون للمرة الأولى، وبين مصدرها وهو الشخص الذي اعتدى عليه، ومن ثم تكون اللذة مساوية لرجل بالغ، ومع مرور الوقت يشتاق لتكرار التجربة مع الرجل نفسه أو غيره، وهنا تكمن الخطورة في حالة عدم مبالاة الأسرة أو جهلها أو تجاهلها للأمر.عدم اتاحة الفرصة للطفل لعقد علاقات زمالة أو صداقات مع أفراد من الجنس الآخر، يجعله لا يجد مفرا من توجيه طاقته النفسية والجنسية نحو هؤلاء المماثلين له في النوع فيما بعد، ولعلنا نعلم كم تنتشر السلوكيات الجنسية بين الأطفال من الجنس نفسه في سن صغيرة وقد تتطور فيما بعد. كما أن تربية الطفل مع أقران من الجنس الآخر ومخالطته لهم طوال الوقت يعيقه عن تحديد هويته الجنسية التي تتشكل من خلال اختلاطه بأفراد من جنسه، فنجد الذكر الذي يُربى مع اناث أقرب للنعومة ومحاكاة سلوكياتهن والاهتمام بأمورهن أكثر من أي شيء آخر، وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة التي تربى تربية خشنة أو وسط ذكور، نجدها أكثر خشونة وتوحدا مع الذكور.
ويبقى موضوع المثلية شائكا، يحتاج الى مناقشات أخرى عدة تضيء باقي جوانبه، وهو ما نتناوله بالتفصيل في العدد القادم من خلال الاجابة عن الأسئلة التالية:- ما التكوين النفسي وطبيعة الشخص المثلي؟- ما موقف الطب والمجتمع والقانون والدين منه؟- هل ثمة طرق للعلاج أو الخلاص منه؟

إعداد: رضوى فرغلي
جريدة القبس
10-03-09
http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=479817

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق