آلام النساء وأحزانهن ل د. فهمية شرف الدين -- العنف الزوجي في لبنان
إن موضوع العنف هو من صلب إشكاليات مجتمعنا الأساسية وهو غير منفصل عن كل القضايا المفصلية وتشير المؤلفة إلى أن محاولة هذه التظاهرة بأبعادها وجزئياتها تضعنا وجهاً لوجه أمام تطور أو جمود مجتمعنا ونظرتنا لمفهومي ثقافة العنف والتمييز ضد المرأة، وأمام التحولات المجتمعية والأسباب التي لم يرافقها حراك إجتماعي حقيقي داخل الأسرة، لذلك بقيت ملامح السلطة الذكورية البطريركية مسيطرة فيها بالرغم من ظهور معطيات جديدة غيّرت من دينامية الوظائف والأدوار المنوطة بها·
كما أن الهدف من دراسة واقع العنف والعدائية ضد النساء يصب في تعرية الممارسات التمييزية التي غالباً ما تكون إستبدادية، سلطوية، <إستغلالية تجاه النساء وتتوخى هذه التعرية إزالة الشرعية عن هذه الممارسات وفضح الإنتهاكات الخاصة بالعنف وكسر الصمت حولها وحول الآليات المرسخة له في المجتمع>· وهذا طبعاً في إطار العمل من أجل إقرار حقوق النساء، هذه الحقوق لا يمكن أن تستقيم دون إقرار حق المرأة وسلامتها الجسدية والنفسية والفكرية وحقها في الكرامة·
العنف ضد المرأة في الأدبيات
يُعتبر طرح موضوع العنف ضد المرأة جديداً في المجتمعات العربية، وهو الى جانب مجموعة أخرى من الموضوعات، كالديمقراطية وحقوق الأنسان، قد إخترق الخطاب العربي والبحث العربي أواخر القرن الماضي، في سياق التحولات النوعية التي عصفت بالفكر والسياسة والإجتماع على مستوى العالم·
وتوضح الكاتبة أن الدراسات القليلة التي إتخذت من العنف ضد النساء موضوعاً، أظهرت بشكل واضح وجلي، أن العنف ضد النساء في لبنان، هو عنصر أساسي من عناصر الثقافة اللبنانية، وأن المصور المتنوعة لحياة نساء مختلفات متعلمات أو أميّات، مدنيات أو ريفيات، عاملات في أعلى السلّم الوظيفي والمهني، أو في أدناه، زوجات أو عازبات في عداد العاطلين عن العمل، <هذه الصور الكثيرة لنساء حدّدتها ثقافة جامعة، تحترف حجب الفروقات، وتنساب بين تعرّجات الحياة، منذ الطفولة وحتى الممات، ظاهرة مرّة وخفية مرّات، لتسم حياة هؤلاء النسوة جميعهن بميسم التمييز والعنف الذي سيرافق حياتهن ويرسم حدود آمالهن وأحلامهن>·
وفي دراسة ميدانية عن مناهضة العنف ضد المرأة في الأسرة، يرى الباحثان سمير وماري خوري أن إحدى العقبات الرئيسية للتعرّف على العنف تكمن في عدم إعتراف النساء بوجوده، فالمرأة إما عاجزة عن البوح نظراً لعدم قدرتها على تحمّل نتائجه، وإما تقبل العنف وتعتبره جزءاً من الحياة <الطبيعية> في ظل إنتشار ظاهرة العنف في الحياة الأسرية في جميع شرائح المجتمع· وتؤكد الكاتبة أنه في مجتمعنا اللبناني حيث موضوع العنف ضد المرأة يتصل إتصالاً وثيقاً بالثقافة الأبوية السائدة القائمة على سلطة الذكور على الإناث، يتم الربط بين العنف والتأديب، والعنف والعقائد، والعنف والأخلاق، وفي كل هذا تتحمل المرأة وحدها وزر سلوكها وسلوك الرجل، هكذا يتم تبرير العنف الذي يرافق حياة المرأة من المهد الى اللحد أو يتم السكوت عنه·
شجب العنف
تقول الكاتبة <أن موضوعة العنف تأخرت عن غيرها من الموضوعات التي اعتنت بها منظمات الأمم المتحدة، ومع أن إعلان حقوق الإسان بكّر في الدعوة الى الاعتراف بالمرأة الإنسان وبحقوقها الإقتصادية والإجتماعية، إلا أن الإشارة الواضحة الى العنف الممارس عليها تأخرت قليلاً>· حيث كان يجب انتظار إعلان وبرنامج عمل فيينا، الذي انعقد في حزيران عام 1992 لتأسيس موقف واضح من حقوق المرأة الإنسان· فقد نصّت الفقرة 18 من الفصل الثالث على الآتي: <إن حقوق الإنسان للمرأة والطفلة هي جزء غير قابل للتصرف من حقوق الإنسان العالمية، وجزء لا يتجزأ من هذه الحقوق ولا ينفصل عنها، وأن مشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة في الحياة السياسية والمدنية والإجتماعية والثقافية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، واستئصال جميع أشكال التمييز على أساس الجنس هي من أهداف المجتمع الدولي ذات الأولوية>·
إن العنف الموجه ضد المرأة بسبب كونها إمرأة أو العنف الذي يمسّ المرأة على نحو جائر ويشمل الأفعال التي تلحق ضرراً أو ألماً جسدياً أو حقلياً أو جنسياتها، والتهديد بهذه الأفعال والإكراه وسائر وجوه الحرمان من الحرية·
إن كتاب الدكتور فهمية شرف الدين يسهم في إعطاء قوّة دافعة لمزيد من العمل والنقاش حول هذا الموضوع المهم الذي ظل مغلفاً بحجاب الصمت ردحاً من الزمن·
وفيق غريزي * آلام النساء وأحزانهن - الدكتورة فهمية شرف الدين - دار الفارابي - بيروت 2009
اللواء الثقافي-- اللواء
24-02-2009
العدد: 12518
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق