طالبان الباكستانية تريد تطبيق الشريعة بإغلاق 490 مدرسة.. وحرمان 40 ألف فتاة من التعليم
بعد أكثر من عام على الصراع الدموي في وادي سوات الباكستاني بين السلطات الباكستانية والمتشددين من القبائل الموالين لطالبان باكستان، تعتقد الحكومة المدنية الباكستانية أن أفضل طريق للخروج من الصراع هو الموافقة على تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات درءًا لصداع الرأس. لكن هل هذا هو الخيار الأفضل؟ وهل فعلا سيريح أعصاب إسلام أباد من صداع الأقاليم التي تريد هوية دينية لباكستان غير الهوية العلمانية التي يريدها سكان إسلام أباد وكراتشي مثلا. في رأي زعماء الحزب الحاكم في إقليم الحدود الشمالية الغربية، حيث تقع سوات، وهو الحزب الوطني «عوامي»، فإن تطبيق الشريعة في سوات سوف يضع نهاية لـ14 شهراً من الصراع بين قوات الجيش الباكستاني والمسلحين التابعين لطالبان بقيادة مولانا فضل الله، رجل الدين الذي كان طوال العام الماضي يستخدم العنف سلاحاً لتنفيذ تفسيره لمبادئ الإسلام على مجتمع سوات. وقد وقّعت الحكومة المحلية في إقليم الحدود الشمالي الغربي اتفاقية من أجل تطبيق أحكام الشريعة والنظام القضائي في سوات مع عالم ديني آخر مؤثر، وهو مولانا صوفي محمد، الذي اتضح أنه حما مولانا فضل الله. لكن صوفي محمد يسير على نهج مختلف تماماً عن صهره، حيث يوصف غالباً بأنه «الزعيم الديني غير العنيف» في سوات. وتتوقع الحكومة الباكستانية في الوقت الحالي أن يضطلع مولانا صوفي محمد بإقناع المسلحين بالتخلي عن أسلحتهم مقابل تطبيق الشريعة في سوات. وقال مسؤول رفيع المستوى من حكومة إقليم الحدود الشمالي الغربي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد وعد صوفي محمد الحكومة بإقناع مولانا فضل الله ومقاتليه بالتخلي عن أسلحتهم». وبعد اجتماع عقد في تيمارغارا، البلدة الصغيرة الواقعة على مشارف وادي سوات، وقع مسؤولو الحكومة المحلية ومولانا صوفي محمد الاتفاقية بتطبيق الشريعة في سوات في 16 فبراير (شباط) الماضي. وطلبت الحكومة المحلية من القادة العسكريين المنتشرين في سوات التراجع وعدم مطاردة المسلحين من المحسوبين على طالبان. وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش ميجور جنرال آثار عباس للصحافيين في إسلام أباد إن الجيش سوف يلتزم بالاتفاق الموقع بين الحكومة المحلية وصوفي محمد. وفي غضون ساعات من الاتفاقية، أعلن المسلحون بقيادة مولانا فضل الله أيضاً وقف إطلاق النار لمدة عشرة أيام، ثم أعلن الأسبوع الماضي وقفاً طويل الأجل لإطلاق النار. وقال الصحافي البارز رحيم الله إنه، وفقاً للأخبار الواردة من سوات، تسود حالة من الارتياح في الوادي والمناطق المجاورة، ففيما كان تطبيق الشريعة مطلباً دائماً لبعض أهالي سوات، كان الآخرون يريدون بالأساس وقف إطلاق النار بعد سنوات من التوترات وعدم الاستقرار. فقد تعرض ما يزيد على مليون نسمة للنيران المتبادلة ما بين مسلحي طالبان وقوات الجيش الباكستاني منذ العام الماضي. وتسبب الصراع في ضرر بالغ في الممتلكات العامة والبنية التحتية بالإضافة إلى أنه أسفر عن وقوع العديد من الضحايا المدنيين. كما أدت زيادة اعتماد الجيش على المدفعية في إصابة مخابئ المسلحين، إلى تدمير آلاف المنازل الخاصة في سوات.
ووفقاً لما قاله مسؤول حكومي رفيع المستوى، تبلغ قيمة الأضرار التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية منذ ظهور المسلحين في سوات أكثر من 3 مليارات روبية. ويبلغ عدد المدارس التي دُمرت أو أحرقت 181. أما العاصمة الإدارية لوادي سوات وهي سيدو شريف وبلدتها الرئيسة مينغورا فقد أصيبتا بالضرر جراء نشاط المسلحين. كما أحرق المتشددون في 2008 منتجع التزلج العالمي الشهير «مالام جابا»، والذي يقع على بعد 40 كيلومتراً من سيدو شريف. وفي ظل هذه المواجهات العنيفة وما ترتب عليها، شعر قادة باكستان المدنيون والعسكريون مطلع عام 2008، أن سوات ينسل من بين أيديهم. ويقول إسماعيل خان، محرر أكبر جريدة باكستانية يومية داون (الفجر) من مقره في بيشاور: «لقد انكمش نفوذ الدولة على منطقة سوات التي تبلغ مساحتها 5337 كيلومتراً مربعاً إلى حدود مقرها الإقليمي في مدينة مينغورا التي تبلغ مساحتها 36 كيلومتراً مربعاً»، وساعد في هذا ظهور رجل الدين مولانا فضل الله، الذي استغل الاستياء المتزايد من الدولة في أعقاب عملية المسجد الأحمر التي وقعت في إسلام أباد في يوليو (تموز) عام 2007، حيث قُتل أكثر من مائة طالب ديني. في البداية، ثار مولانا فضل الله ومسلحوه ضد حكومة الرئيس السابق برويز مشرف، الذي وصموه بأنه «دمية أميركية». وكان مولانا فضل الله، الذي يدير مدرسة دينية ومحطة إذاعية غير شرعية من سوات، يصدر بانتظام فتاوى ضد مشرف وحكومته الموالية للولايات المتحدة في إسلام أباد.
ولكن بدأ مولانا فضل الله تدريجياً في الانطلاق والمطالبة بإقامة دولة إسلامية تماماً من خلال تطبيق أحكام الشريعة في باكستان. وأقام مولانا فضل الله محاكم شرعية في سوات وبدأ في ممارسة القضاء بين الناس في المنطقة. ويقول محمد عبد الله صاحب أحد المحلات في سوات: «في كل يوم جمعة، كان رجال طالبان يقيمون محاكمات سريعة تتجاوز القضاة وتنفذ عقوبات بالجلد والإعدام». وفي ظل غياب توفير الخدمات العامة المؤثرة من قبل مؤسسات الدولة في سوات، ازداد نفوذ طالبان تدريجياً بين أهالي المنطقة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2008، بدأ مرض التهاب المعدة والأمعاء في الانتشار في وادي سوات. وبسب الصراع المستمر منذ عام، كانت الإدارة المدنية في حالة من الفوضى، ولم تكن في وضع يسمح لها بتقديم الرعاية الصحية لسكان سوات، حيث كان معظم مستشفيات الحكومة مغلقة. وكانت المستشفيات الخاصة في الوادي تطلب أتعاباً باهظة. وفي مثل هذا الوضع، دخلت طالبان وأمر زعيم طالبان مسلم خان المستشفيات الخاصة بتوفير علاج غير باهظ التكاليف للسكان. وفي اليوم التالي، خفضت العيادات الخاصة من أتعابها بمقدار النصف لعلاج عامة سكان سوات. وبعد فترة قصيرة، بدأت طالبان في تطبيق رؤيتها الضيقة لمبادئ الإسلام على مجتمع سوات. وفي إطار هذه العملية، كان أول ضحية لهم هو تعليم الفتيات. ووفقاً لمسؤول رفيع المستوى في حكومة إقليم الحدود الشمالي الغربي فقد حُرم ما يزيد على 40 ألف فتاة صغيرة من التعليم في سوات نتيجة لحظر تعليم الفتيات الذي فرضه القادة العسكريون لطالبان هناك. فصدر إنذار للمدارس من زعيم طالبان شاه دوران في وادي سوات، وطلب من المدرسين إغلاق مدارس البنات التي تقدر بـ490 مدرسة. ولم يكن بإمكان سكان سوات فعل أي شيء، فحتى الذين استاءوا من الخطوة لم يكن بمقدورهم أن يقفوا في وجه طالبان. وقال أحد مديري مدارس الفتيات في سوات لـ«الشرق الأوسط»، حول تأثير الخطوة: «إنذار طالبان أثبت أن الحكومة المركزية في إسلام أباد ليس لها سلطة على وادي سوات». وهكذا سارت الأمور من سيئ لأسوأ. فقد أرسلت الحكومة الباكستانية 20 ألفاً من قوات الجيش إلى سوات لإعادة النظام هناك. واستمرت العمليات العسكرية لمدة ثلاثة أشهر، ونجح الجيش إلى حد ما في إخلاء المسلحين من المنطقة. لكن المسلحين اكتسبوا قوة بعد أن وقعت الحكومة المحلية اتفاقاً معهم في يوليو (تموز) عام 2008. وقال المتحدث باسم الجيش ميجور جنرال آثار عباس: «بعد أن وقعت الحكومة اتفاقاً مع المسلحين، تراجع الجيش إلى معسكراته. وهذا الموقف منح الفرصة للمسلحين من أجل إعادة التجمع وإعادة التنظيم. وبدأوا في إثبات أنفسهم من جديد في المجتمع».
فقد أدى انسحاب قوات الجيش من سوات في يوليو (تموز) عام 2008، إلى فراغ في المنطقة، وكان من الطبيعي أن يستغل ذلك المسلحون. ويقول الميجور جنرال آثار عباس لـ«الشرق الأوسط»: «أصيب الناس بالإحباط والتشويش. وأثناء هذا، كانت القوات الأمنية عاجزة عن مساعدتهم ضد المسلحين. وفي مثل هذا الموقف، قررت الحكومة من جديد أن تعيد شن الحملات العسكرية».
استمرت المرحلة الثانية من العمليات العسكرية التي بدأت في منتصف عام 2008 حتى توقيع اتفاقية تطبيق الشريعة بين مولانا صوفي محمد والحكومة المحلية في إقليم الحدود الشمالي الغربي في 16 فبراير (شباط) عام 2009. وقال الميجور جنرال آثار عباس بعد توقيع الاتفاقية مباشرة: «إن وضع القانون والنظام في سوات بعيد تماماً عن الرضا، ولكننا نأمل في أن الاتفاقية الأخيرة مع مولانا صوفي محمد سوف تجلب السلام إلى سوات». فيما يقول العميد المتقاعد محمود شاه، مسؤول الاستخبارات السابق: «إنهم مسلحون جيداً ولديهم دوافع قوية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «إن قوة مسلحي طالبان في سوات على وجه التحديد لا تزيد على 500 شخص، لكن في عمليات السلب والنهب، ينضم إليهم متشردون وعناصر إجرامية أخرى، مما يجعل عددهم يصل إلى 5000 أو ربما أكثر».
وأضاف شاه «لا يوجد خطأ في قبول المطالب بتطبيق الشريعة لأنه مطلب سكان سوات. كما توجد فرصة في أن ينجح مولانا صوفي محمد في إقناع المسلحين بالتخلي عن أسلحتهم». إلا أن محليين يشكون في هذا ويتوقعون أن تتكرر المواجهات بين الجيش النظامي والمسلحين من طالبان باكستان. وقال مسؤولون عسكريون باكستانيون لـ«الشرق الأوسط»: الجيش الباكستاني لن ينسحب هذه المرة إلى معسكراته وسيظل منتشراً في وادي سوات، مشيرين إلى أنه لن يجازف بترك المنطقة لمزيد من تمدد الإسلاميين بسبب الخطورة الكبيرة الكامنة وراء هذا. ويتوقف السلام الآن في سوات على نجاح الجهود التي يبذلها رجل واحد هو مولانا صوفي محمد. وتقول مصادر مقربة من مولانا صوفي محمد لـ«الشرق الأوسط» إنه سيعقد مباحثات مع مولانا فضل الله لاستعادة السلام في وادي سوات ونزع السلاح. وقال مولانا صوفي محمد للصحافيين لدى وصوله إلى سوات: «سأظل في سوات حتى يعود السلام إلى الوادي». ويتوقع محللون سياسيون ألا يكون كل شيء سلساً في هذه العملية من أجل السلام وتطبيق الشريعة في الوادي الذي دمره الصراع. وقد ظهرت العقبات منذ اليوم الأول، فحزب الشعب الباكستاني الحاكم بقيادة الرئيس آصف على زرداري ربط بين إتمام اتفاقية وقف إطلاق النار وتسليم المسلحين لأسلحتهم. وقالت وزيرة الإعلام الباكستانية شيري رحمن: «لن يوقع الرئيس آصف على زرداري على الاتفاقية بتطبيق الشريعة في سوات إلا بعد أن يحل السلام في الوادي»، موضحة أن الحكومة تأمل في أن يتخلى المسلحون عن أسلحتهم قبل تنفيذ الاتفاقية التي تضغط على أعصاب الكثير من الباكستانيين من المعتدلين والعلمانيين الذين يحذرون من أن الحكومة الباكستانية قدمت تنازلات.. ولا داعي لتقديم مزيد من التنازلات للمتشددين.
عمر الفاروق (c)
الشرق الأوسط
العدد: 11049
27-02-09
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق