الأربعاء، 8 أبريل 2009

الأخبار: قوانين مدنية للأحوال الشخصية، بالجملة والمفرّق

في ظل وجود أكثر من 18 قانوناً للأحوال الشخصية الطائفية، تتدافع هيئات مدنية وسياسية للقيام بحملات لإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية. ولكن، الغائب الأكبر هو التنسيق في ما بينها، ما يهدد فعاليتها.

«إنو ليه مئة حملة؟ الجمعيات»، تسأل الناشطة عليا غزار ولا تنتظر الإجابة عن سؤالها، فبرأيها «كالعادة، لا تنسّق الجمعيات في ما بينها. أصلاً ما يسمّى المجتمع المدني لا يمثّل إلا موظفيه»، تقول. فمنذ صدور تعميم وزير الداخلية والبلديات زياد بارود بإجازة شطب الإشارة إلى المذهب من سجل نفوس الراغبين، ومنذ تمنّي رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن ننشئ يوماً مجلساً للشيوخ، ووثيقة «الكنائس المسيحية اللبنانية» التي تدعو إلى دولة مدنية ديموقراطية، انتعشت آمال الانطلاق نحو دولة مدنية في نفوس الناشطين والناشطات، ما أحيا مبادرات كثيرة، مشكلتها أنها لا تنسّق في ما بينها، ولو فعلت لكانت ألّفت نواة لقوة ضاربة قد تستطيع بالفعل أن تقوم بشيء من التغيير.
فبعد مشروع قانون المرحوم المحامي عبد الله لحود ومحاولة الرئيس الراحل إلياس الهراوي (أنظر الكادر) عام 1998، «أنشئت بمبادرة من حركة حقوق الناس الحملة الوطنية من أجل حرية الاختيار، التي ضمّت أكثر من 70 هيئة أهلية ومدنية وأحزاباً كالشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي والسوري القومي»، كما يذكر الناشط السابق في الحملة أحمد مروة. وقد كرّس 18 آذار يوماً وطنياً لحرية الاختيار، وذلك ربطاً بـِ18 آذار 1998 تاريخ تصويت أول مجلس وزراء لبناني على مشروع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية الذي تقدم به الرئيس إلياس الهراوي آنذاك. ظلّت الحملة ناشطة حتى 2002، قبل أن تغطّ في سبات عميق.
اليوم، تطالب «شمل»، وهي منظمة شبابية لم تطأ عتبة سنتها الثانية، بقانون الزواج المدني عينه، الموجود في أدراج المجلس منذ 18 آذار 1998. وتقول إحدى مؤسِّسات «شمل» والمسؤولة الإعلامية رانا بشارة إنهم يعملون على «إطلاق حملتنا بقوة ولم ننسّق مع أحد، لكننا شاركنا، كأفراد، قطاع الطلاب في اليسار الديموقراطي عند إقامتهم نشاطاً صورياً للزواج المدني». ومن أبرز المشرفين على الحملة د. وليد صليبي ود. أوغاريت يونان اللذان كانا ضمن «الحملة الوطنية من أجل حرية الاختيار». اليوم تعيد شمل إحياء ذكرى 18 آذار، «اليوم الذي تقدم فيه الرئيس الهراوي بالقانون»، تضيف بشارة.
في موازاة ذلك، ومن دون تنسيق مع جمعيات أخرى، يطرح التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني جانباً مشروع قانون الزواج المدني، لكونه لا يتناول الأحوال الشخصية كالإرث أو الحضانة. وعوضاً عنه يقترح فكرة استحداث قانون مدني للأحوال الشخصية، معتمداً على «إطار متكامل يساوي بين الجنسين»، كما تقول رئيسة المركز الديموقراطي منذ تأسيسه، وداد شختورة. تضيف شختورة: «سنحضر الآن، ونباشر الضغط بعد الانتخابات». وترى أن مطالبة بعض المنظمات النسائية بتعديل مواد مجحفة بحق المرأة غير متعارضة مع الشرائع الدينية، خطوة مهمة «لكن قاصرة عن معالجة جوهر التمييز ضد المرأة». ذلك التمييز يترجم، برأي الجمعية، في تحفظ السلطات اللبنانية، عند إبرام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على بنود ثلاثة متعلقة :بالمساواة في الحقوق والواجبات ضمن العائلة، حق المرأة كمواطنة بإعطاء جنسيتها لعائلتها، والمادة 29 المتعلقة بعرض الخلافات بين الدول بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقية على محكمة العدل الدولية. «ليس هذا التحفظ إلا تعبيراً عن طبيعة النظام الطائفي الذي يبقي الرجال والنساء أسرى أزماته المتكررة»، تقول شختورة.
وبناءًً عليه، تدعو الجمعية للتفلّت من «قانون الهراوي» الذي لا يجعل من المرأة مواطنة متساوية مع الرجل، و«استحداث قانون يرتكز على حصرية حق مجلس النواب بالتشريع»، كما تقول المحامية ماري روز زلزل التي شاركت في إطلاق المبادرة.
«لكن الأهم يبقى تحويل المطلب إلى حركة اجتماعية قادرة على إحداث تغيير»، كما يقول الناشط أديب نعمة. فالحركة الاجتماعية تتناول كل فئات المجتمع من أفراد ونقابات وهيئات وروابط، ولا يمكن العمل على قضايا جامعة بمنطق المشاريع وحدود تواريخ التمويل: «هذا هو المأزق الأساس الذي يواجه المجتمع المدني، فهو لا يحوّل مطالبه إلى حركة اجتماعية»، يقول نعمة.
من جهته، يحاول المركز المدني للمبادرة الوطنية، بالتحالف مع هيئات سياسية وأهلية، إنشاء حركة اجتماعية، أولاً عبر «بلوغ المتقدمين لشطب قيد الطائفة عن سجل النفوس عدداً جدياً» قد يكون بالآلاف، ثم المطالبة بحقوق هذه «الحالة» الاجتماعية، ما يفرض على السلطات السياسية إصدار التشريعات اللازمة بالنسبة إلى القانون الاختياري للأحوال الشخصية»، بحسب طلال الحسيني، رئيس الهيئة الإدارية وممثل المركز المدني للمبادرة المدنية تجاه الحكومة، والذي يقود التحرّك لشطب المذهب عن الهوية منذ 11 نيسان 2007، حين تقدم بطلب تجريبي لشطب طائفته عن سجل النفوس.
ويُعدّ المركز الآن، بالتحالف مع عدد من الهيئات المدنية والسياسية، لإطلاق مبادرة وطنية من أجل شطب الإشارة إلى الطائفة في سجل النفوس في آخر أسبوع من نيسان.
ويفصل الحسيني بين قانون مدني للأحوال الشخصية وحملة شطب الإشارة إلى الطائفة. ويعتبر أن الأخيرة «ضمن إطار قانوني ينقل اللبنانيين من أبناء طوائف إلى مواطنين». وإذ يتحفّظ الحسيني على استعمال فكرة ومصطلح «مجتمع مدني»، فإنّه يضع ما يقوم به «في إطار بناء دولة مدنية».
أما رئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع د. جاك قبانجي، فيشترط وجود وعاء سياسي متكامل. ويقول: «أزعم أن مطلب قانون مدني للأحوال الشخصية لا يتحقّق إلّا عندما يتحوّل إلى مطلب سياسي بامتياز».
في اليسار الديموقراطي أيضاً، يمثّل «إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية» أولويّة بالنسبة إلى قطاع الطلاب»، لكن القطاع لا يدعم قانون الهراوي، لكونه «غير كامل، ولا يتناول إلا مسألة الزواج»، على حد قول ريّان إسماعيل، لكنه يتابع «نحن ننسّق مع شمل، فيما شمل تدعم ذلك القانون. لكن نحن ندعم أي مشروع عصري وحديث». ويعلن نشاطاً في ذكرى الحرب (13 نيسان) كخطوة نحو قانون مدني للأحوال الشخصية. «موعد لقائنا في ساحة الشهداء، ليقولوا في ذكرى الحرب الأهلية: 10452 لا لدولة الطوائف، ويقوموا بشطب المذهب عن 10452 إخراج قيد، لإلصاقها على مجسم لخريطة لبنان في خطوة رمزية تنشد قيام الدولة العلمانية»، كما تقول الناشطة ديالا حيدر في رسالتها للتعبئة عبر الفايسبوك. «ونحن على تواصل دائم مع الجمعيات المعنية، كالمركز المدني للمبادرة المدنية وشمل وأمام 05»، يقول إسماعيل.
إلا أنّ طلال الحسيني يرى أنّ النشاط في 13 نيسان «قد يستثمر سياسياً»، وهذا ما يتجنّبه المركز المدني. ويؤكد قبانجي أنّ «هذا نشاط غير مضر، يحاول التقرّب إلى جمهور غير فاعل. أنا لا أرى شرطاً سياسياً مدنياً لارتقاء المجتمع ضمن هذه الحركة أو غيرها». وبعد صمت يقول، «ربما تبزغ بعد قليل... بعد قليل».

محاولات مؤسّسة... ومجهضة
السعي لإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية ليس مشروعاً جديداً. فمشروع القانون الذي أعدّه المرحوم المحامي عبد الله لحود (1899-1988) كان بمثابة أرضية تأسست عليها مشاريع قوانين الأحوال الشخصية المدنية التي تلته. وقتها تبنّى مشروع القانون العديد من الأحزاب، وعمد النائب السابق أوغست باخوس إلى إدراجه مرتين كل سنة على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل، من دون أن ينجح في إمراره لأسباب لا تخفى على أحد.
وفي 18 آذار 1998 تقدم رئيس الجمهورية الراحل إلياس الهراوي بقانون الزواج المدني (الذي لم يتناول الإرث والحضانة). أقرّ القانون في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، لكن سرعان ما جرى التراجع عنه، ولم يُحَل إلى مجلس النواب. «يومها عارضه الكاردينال الماروني (مار أنطونيوس بطرس صفير) وعقدت النائبتان بهية الحريري وغنوة جلول مؤتمراً صحافياً لرفضه»، كما تقول المحامية والناشطة في حقوق المرأة المدنية، ماري روز زلزل. وقد عارض القانون عدد من المؤسسات الدينية، ولا سيما الإسلامية.

نارمين الحر
الأخبار
عدد الاربعاء ٨ نيسان ٢٠٠٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق